2014-7-19
View :1480

إعداد: علي الشاهر


تفرّدَ الأئمةُ المعصومون (عليهم السلام) عن بقية بني البشر بصفة (العلم الحضوري أو الإرادي) الذي يختلف عن العلم المكتسب الذي يحصل عليه عامة الناس، حيث أن العلم الحضوري هو ما كان موهوباً من الله سبحانه وتعالى ومستفاضاً منه بطريق الإلهام، او النقر في الأسماع، أو التعليم من الرسول، أو غير ذلك من الأسباب، وهذا العلم اختُص به الإمام دون غيره من الأنام.


ولقد صرحت الأخبار، وأنبأت بوضوح، بما كان عليه النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة من ولده من ذلك العلم الحاضر.
أما عن الأدلة على علمهم الحضوري، فهي ما أوجزها المؤلف الشيخ (محمد حسين المظفر) في كتابه (علم الإمام) عبر تقسيمها إلى عشر طوائف من الأحاديث:
الطائفة الأولى: الأئمة خزنةُ العلم والحجة البالغة
صرّحتْ طائفة من الأحاديث بأنّ الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) خزنة علم الله وعيبة وحيه، وأنّهم الحجة البالغة على من دون السماء ومن فوق الأرض، حيث إن علم الله سبحانه لا يحصيه حاسب، ولا يحصره كاتب، وهل يكون الخازن جاهلاً بما في الخزانة والعيبة؟ وهل هو إلا كناية عن استيداعه تعالى علمه أوعية صدورهم، وغياب قلوبهم.
وكيفَ يحجب الله تعالى علمه عن حجته؟ وكيف تكون تلك الحجة بالغة؟ وليس لديها علم بالحوادث والأعمال، لتكون مخبرة لهم عما يعملون عند الإعجاز والكرامة.
الطائفة الثانية: علمهم بما في السماء والأرض
صرحتْ هذه الطائفة من الأحاديث بأنّ الله سبحانه أجل وأكرم من أن يفرض طاعة عبد يحجب عنه علم سمائه وأرضه، وهذه فوق صراحتها بالمطلوب دلّت على أنَّ حجب علم السماء والأرض عن الإمام مما يستلزم النسبة لله بما ينافي كرمه وجلالة شأنه.
بل لو حجب ذلك العلم عنه لما صحَّ لأن يكون مفترض الطاعة. وكيف تكون طاعته مفروضة، وليس لديه علم ما يسأل عنه.
الطائفة الثالثة: إن الأئمة هم الراسخون في العلم
نطقتْ هذه الطائفة من الأحاديث بأنّ الراسخين في العلم الذين علموا تأويل القرآن، والمقرون علمهم بالتأويل بعلمه جل شأنه: هم الأئمة من أهل البيت، وأنّهم هم الذين قال الله تعالى عنهم في محكم فرقانه: (آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم).
كيف يا ترى شأو العلم يقرن الجليل تبارك وعلا بعلمه؟ وكيف يا ترى شأنهم والله تعالى يخبر عنهم بأنَّهم الراسخون في العلم، وأنَّهم أوتوه وأثبت في صدورهم؟.
ولو أمكن وصف علمهم بأعلى وأرفع من الحضوري لكان في هذه الأحاديث المفسرة لتلك الآيات الكريمة، مجال لذلك الوصف وإنما نسمي علمهم بالحاضر لقصورنا عن إدراك وصف أسمى منه بل ولجهلنا لحقيقة ذلك العلم.
الطائفة الرابعة: الأئمة معدن العلم ووارثوه
أنبأت هذه الطائفة بأنَّ الأئمة (عليهم السلام) شجرة النبوة، وبيت الرحمة، ومعدن العلم، ومختلف الملائكة، وموضع الرِّسالة، وورثة العلم يورثه بعضهم بعضاً، وهل يريد المرء بالإفصاح عن علمهم الحضوري بأجلى من هذا البيان وأظهر من هذا المفاد؟ وكيف يكونون معدناً للعلم، ولا علم يحضر هذا المعدن؟ وكيف يتوارثون العلم، والمتوارث شيء غير موجود؟
ولو ادعي أنّها تختص بالعلم بالأحكام وموضوعاتها الكلية، فلا نجد مبرراً لهذه الدعوى، واللفظ عام والعموم أليق بتلك المنزلة، ومن يتحلّى بتلك الصفات الشريفة التي أخبرت عن بعضها هذه الأحاديث لا يستغرب من علمه إذا كان حضورياً وحاصلاً لديه في كل حين ومن يكون مختّلفاً للملائكة وموضعاً للرسالة وبيتاً للرحمة وشجرةً للنبوة كيف لا يكون حاضر العلم يدري بما يعمل الناس ويصف لهم ما تنطوي عليه سرائرهم.
الطائفة الخامسة: الأئمة ورثة علم النبي (صلى الله عليه وآله)
نطقت هذه الطائفة بأنّ الأئمة (عليهم السلام) ورثة علم النبي (صلّى الله عليه وآله) وأنّ النبي ورث جميع علوم الأنبياء والرسل وأولي العزم، فهذه الطائفة أخبرتنا بأنّ علم العالم كلّه وصل إليهم، واجتمع عندهم فكل ما كان للأنبياء والرسل وأوصيائهم من علم فهو قد انتهى إليهم وورثوه منهم، وهل بعد هذا العلم الذي كان عليه كافة الرسل وصار لديهم يبقى مجال لان يقال بأنَّ علمهم ليس بحاضر، بل حضوره تابع للإشاءة، فإذا لم يكن حاضراً لديهم فأي شيء، ورثوه إذاً؟
الطائفة السادسة: إن لديهم جميع الكتب ويعرفونها على اختلاف ألسنتها
أخبرتْ هذه الطائفة بأنّ عند الأئمة المعصومين (عليهم السلام) جميع الكتب السماوية، ويقرؤونها على اختلاف ألسنتها.
إن في الكتب علم الأول والآخر والسالف والحاضر، وعلم الأحكام والحوادث والمنايا والبلايا وكل شيء، فليت شعري هل يقرؤون تلك الكتب وهم يجهلون ما يقرؤون، أو يعرفون بعضاً وينكرون بعضاً..؟
الطائفة السابعة: الأئمة يعلمون الكتاب كله
صرّحت هذه الطائفة من الأحاديث بأنَّ الأئمة يعلمون ما في القرآن المجيد كلِّه، حتى قال الصادق (عليه السلام): «والله إنّي لأعلم كتاب الله من أوله إلى آخره، كأنه في كفي فيه خبر السماء وخبر الأرض، وخبر ما كان وخبر ما هو كائن، قال الله عز وجل: (فيه تبيان كل شيء).
وهل يطلب الباحث أثراً بعد عين، أفترى أنّه أراد من العلم بكتاب الله الذي فيه تبيان كل شيء، من خبر السماء والأرض، وما كان أو هو كائن، هو العلم بالأحكام أو موضوعاتها لا الحوادث والاعمال، وما وقع أو يقع من شؤون العالم وهل يجوز لذي علم أو ذوق أن يحمل هذا البيان على ذلك القصد؟ وهل أصرح من هذا البيان بالعلم بشؤون العالم سابقه وحاضره ولاحقه.
الطائفة الثامنة: عندهم جميع العلوم
أفصحت هذه الطائفة من الاحاديث عن سعة ذلك العلم الذي كان عند الأئمة الأمناء، فإنها أفادت: أن لله علمين: علم أظهر عليه ملائكته وأنبياءه ورسله، فما أظهر عليه ملائكته ورسله وأنبياءه فقد علمناه، وعلم أستأثر به فإذا بدا لله في شيء منه أعلمنا بذلك.
الطائفة التاسعة: يعلمون حتى بانقلاب جناح الطائر
بيّنت هذه الطائفة من الأحاديث بأنّه ما ينقلب جناح طائر في الهواء إلا وعند الأئمة علم منه، أوَ ليس هذا صريحاً في شمول علمهم حتى للجزئي من الحوادث، ووقوفهم على كل ما يقع ويكون، فوق ما وقع وكان؟
الطائفة العاشرة: إن الأئمة هم الشهداء على الناس
نطقت الأخبار العديدة بأنّ النّبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) يكونون الشهداء على الناس يوم العرض والحساب. أترى يكون أحد شهيداً على أحد، وهو لا يعلم ما اقترف، ويخبر عما كان عليه وهو لا يدري ما عمل؟
هذا كله وهو بعض ما نطقت به الأحاديث وصرحت به الأخبار، إذ ليس الغرض الاستيفاء والاستقصاء، بل القصد عرفان ما كانوا عليه من ذلك العلم الزاخر. وإن كنا نجهل ما اتصفوا به، غير أنا تستظهر شيئاً أنبأت عنه أحاديثهم، ودلتنا عليه أعمالهم.