2016-6-23
View :2157

من الأمور التي تصنّف ضمنَ (الظلامات) والتي حدثت بعد رحيل المصطفى (صلى الله عليه وآله)، هي الاعتداء على سُنته وما رواه من أحاديثَ عظيمة تأتي مكمّلة للتعريف بالأحكام الدينية بعد القرآن الكريم، فمن (ظاهرة) إحراق الصحف التي تضمّ بين طياتها أحاديثه (صلى الله عليه وآله) وصولاً إلى عهد الوضّاعين والكذابينَ الذين رووا أحاديث كاذبة وملفّقة عن النبي (عليه أفضل الصلاة والسلام) خدمةً لأطماع الحاكمين آنذاك، ولكن يبقى أن نقول أن لأهل البيت (عليهم السلام) الفضل في حفظ أحاديث جدهم النبي وتناقلها جيلاً بعد جيل.. إلا أن المشكلة الكبرى تكمن في تلك الأحاديث التي تم إحراقها وكذلك الأحاديث المختلقة وكيفية الوقوف عندها وتصحيحها.


وقد ورد في كتاب (مستدرك الوسائل) للميرزا حسين النوري الطبرسي (قدّس سره) ان «من أجلّ العلوم هو علم الحديث، الذي هو مدار العلماء الأعلام ، في استنباط قواعد الأحكام ، لبيان الحلال والحرام ، وكيف لا يكون كذلك ؟ ومصدره عمن لا ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى، وهو علم الله المستودع في صدور الأئمة ( صلوات الله عليهم أجمعين) ، فمن استمسك به استضاء بنور الهدى، واكترع رحيق الكأس الأصفى».
كما أن علم الحديث هو أحد الحجج القاطعة والمحجة الساطعة، الذي تظهر به تفاصيل مجمل الآيات القرآنية البالغة.
وهو العلم الذي تضع الملائكة أجنحتها لطالبه ، ويعطى بكل قدم يخطوه ثواب ألف شهيد ، وتستغفر له الحيتان في البحر . والجلوس عند أهله ساعة خير من قيام ألف ليلة قائما وراكعا وساجدا، فالاشتغال بالحديث من أحسن العبادات ، وأجل الطاعات ، وأفضل القربات.
وقد حثّ الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) أصحابه وحض اتباعه على الاهتمام به، واعطائه شرف الأولوية بعد القرآن، في حفظه وتقييده بالكتابة.
ويروى أن لجابر بن عبد الله الأنصاري (رضوان الله تعالى عليه) المتوفى عام (78 هجرية)، صحيفة يحدث عنها مجاهد كثيرا.
كما كان قتادة بن دعامة السدوسي، المتوفى (118 هجرية)، يُكبِر من قيمة هذه الصحيفة ويقول: لأنا لصحيفة جابر، أحفظ مني لسورة البقرة.
ويروي الترمذي في سننه: ان سعد بن عبادة الأنصاري، كانت عنده صحيفة جمع فيها طائفة من أحاديث الرسول وسننه.
وكان تلميذه سعيد بن جبير يكتب عندما يملي عليه ، فإذا نفد القرطاس كتب على لباسه ونعله ، وربما على كفه ثم نسخة في الصحف عند عودته إلى بيته.
ومع هذا الاهتمام بالأحاديث النبوية إلا أن التدوين قد تغيّر مساره بعد ذلك ونحا منحىَ آخرَ، إذ يروى الذهبي ان أبا بكر جمع الناس بعد وفاة النبي، فقال: انكم تحدثون عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئاً، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب الله، فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه.
وقالت عائشة: ان أبي جمع الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان خمسمائة حديث، فبات ليلة يتقلب كثيرا، قالت: فغمني، فقلت: أتتقلب لشكوى أو لشيء بلغك! فلما أصبح قال: اي بنيّة هلمّي الأحاديث التي عندك، فجئته بها، فدعا بنار فحرقها.
وأما عمر بن الخطاب فلم يلبث أن عدل عن كتابة السنن، بعد أن عزم على تدوينها.
يقول ابن سعد في طبقاته: ان الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب، فأنشد الناس أن يأتوه بها، فلما أتوه أمر بتحريقها.
وكان من جراء المنع، أن تجرأ المتخرصون بالكذب على الله ورسوله، وتزلف المتزلفون من وضّاع الحديث، وباعة الضمير والوجدان، وذوي الأهواء الضالة، وأصحاب النزعات الهوجاء الباطلة، ليكسبوا الدراهم والدنانير، مقابل أحاديث لفقوها على الرسول المصطفى (صلى الله عليه وآله)، وقد دبّت يد التحريف تثير في أوساط الأمة روح الشقاق والنفاق، وتبعث فيهم روح اليأس واللامبالاة، وتوسّع فيهم عوامل التفرقة والانحطاط.
وقد جمع العلامة الكبير الشيخ الأميني (قُدّس سرّه) قائمة بأسماء الرواة الذين رووا الموضوعات والمقلوبات، وقدّرها ب‍ (408684 حديثاً) موضوعاً ومقلوباً.