2014-6-7
View :797

 


 


مستقاةٌ من الخطبة الاولى لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 16/رجب/1435هـ الموافق 16/5/م



 



من وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) الى ولده الحسن (عليه السلام) : (الصاحب مناسب والصديق من صدق غيْبُهُ، ربَّ بعيدٍ أقرب من قريب وقريب أبعد من بعيد، والغريب من لم يكن له حبيب وقطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل، ومن لم يبالك فهو عدوك، لا خير في معين مهين، ولا في صديق ظنين)، وهنا المقصود بـ (الصاحِبُ مناسب) أي حاله حال اقرباء الانسان وارحامه، وقد نبّه الامام (عليه السلام) على صنف من الاصحاب والاصدقاء وهم من يحملون المودة والمحبة الصادقة والمعاضدة لك والصداقة الحقيقية فهذا الصاحب الحق ينبغي لك أن تحفظ له حق الصحبة الحقة والصادقة وبتعبير آخر فإن رابطة الصداقة تارة تكون قوية بحيث انها تكون بمثابة رابطة القرابة والنسب بل ربما تكون أقوى وحينئذ فإن ذات الحقوق المقررة للارحام والاقوياء ينبغي اخذها بنظر الاعتبار للاصدقاء الحقيقيين والجيدين فحال مثل هذا الصاحب حال اقرباء الانسان وارحامه وبالتالي لابد من مراعاة حقوقه والمحافظة عليها والرغبة فيها وعدم الزهد فيها.. وهناك مثل معروف لدى العرب «الصديق نسيب الروح والاخ نسيب البدن»، وكلمة (مناسب) من مادة نسب وجاءت هنا بمعنى الأقرباء.



وقوله: (الصديقُ مَنْ صَدَقَ غَيْبهُ) أي عَرّف الامام (عليه السلام) الصديق الحق بعلامته ليعرف من هو الصديق الذي ينبغي مصادقته فالصديق الحق هو الذي يكون صادقاً معك في ضميره وباطنه ودواخل قلبه، فلا يظهر لك المحبة والمودة والصداقة بحضورك ولكن يضمر لك في داخله مشاعر اخرى فإن بعض الاصدقاء – ربما- يظهرون المحبة والقرب والاحترام عند حضور صديقهم ولكنهم يضمرون له مشاعر الحسد والكُره والمكيدة بخلافه وغيبته، فالصديق الحقيقي انما يتبيّن من خلال المشاعر التي يحملها في قلبه وفي حال غيبة الصديق ويراعي حقوقه وكرامته ووضعه الاجتماعي ويحفظ له هذه الحقوق في حال غيابه كما في حال حضوره ويتحدث عنه في غيبته كما يتحدث عنه أمامه.



ثم يقول (عليه السلام) (والهوى شريك العمى)، وهنا قد نبّه أمير المؤمنين (عليه السلام) على خطورة اتباع الاهواء الدنيوية والشيطانية والرغبات النفسية المبعدة عن الحق وكذلك الحب الزائد لبعض الامور التي تبعد الانسان عن الحق واتباعه، فان الهوى شريك العمى أي كما ان الاعمى لا يرى ما حوله من الاجسام حتى لو كانت قريبة منه فكذلك الهوى واتباع الدنيا واهوائها وشهواتها واهواء النفس تُعمي الانسان عن رؤية الحقائق فيضل عن الطريق السوي لذلك ورد في القرآن الكريم (أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (23)) – الجاثية:23-



ويقول امير المؤمنين (عليه السلام) : فارفض الدنيا فإن حُبّ الدنيا يُعمي ويُصِمُّ ويُبكم ويُذِلُّ الرِّقاب.



وقال (عليه السلام) في وصيته: (ورُبَّ بعيدٍ أقربُ من قريب، وقريب أبعدُ من بعيد)، وهنا ينبه فيه على أن بعض الاشخاص البعداء من هو أقرب وأنفع من النسيب وفي الاقرباء من هو أبعد من البعيد فان القرب الجسدي والعلاقة الجسدية لا تدل دائماً على العلاقة القلبية والتجانس والانسجام الفكري والروحي بين الاقرباء، فأحياناً يكون البعيد أقرب الى الانسان من قريبه؛ فان القرب الحقيقي والنافع يتحقق بالإرتباط القلبي والعلاقة الروحية المنسجمة بين الطرفين، فربما يكون القريب جسدياً البعيد روحياً وسلوكيا مصدر تعب وعناء وشقاء فعلى الانسان أن يحذر من مثل هذا القرب ولا يتوهم انه مصدر خير وراحة له، وقد اشارت الآية القرآنية لذلك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ).


وفي مقطع آخر من وصيته (عليه السلام): (وَمَنْ اقتصَرَ على قَدْرِه كانَ أبقَى له)، أي أن هناك من الاشخاص من يتصف بالغرور والعُجب فيُقدِّر لنفسه قدرات وامكانات ليست حقيقية واعلى من المستوى الحقيقي لقدراته فيكلّف نفسه بمهام او يجعل الناس يكلفونه بمهام ووظائف اكثر من طاقاته الحقيقية لانجازها فيفشل فيها وقد يسبب ضرراً وخسارة للآخرين فيسبب ذلك خيبة الناس فيه وعدم ثقتهم به فيخسر هذا الموقع الذي هو اعلى من طاقته والمهمة التي لم يتمكن منها بسبب غروره وعجبه ودعاواه الفارغة بل يخسر حتى ما يستحقه من قدر وموقع بحسب مؤهلاته الحقيقية والواقعية لأن الناس فقدوا الثقة به وبالتالي لا تبقى له قيمة واعتبار.. فعلى الانسان أن يعرف ويدقق في قدراته وإمكاناته ولا يدعي شيئاً اعلى من ذلك ولا يطلب موقعاً ومهام ووظائف أعلى من قدراته لئلا يخسر موقعه الحقيقي الذي يناسبه ويفقد ثقة الناس به.