2014-6-8
View :801



مستقاة من الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 30/رجب/1435هـ الموافق 30/5/2014م


يوصي الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ولده الحسن (عليه السلام) فيقول له: (قد يكون اليأس إدراكاً إذا كان الطمع هلاكاً، وليس كل عورة تظهر، ولا كل فريضة تصاب، وربما أخطأ البصير قصده، وأصاب الأعمى رشده).
ان اليأس من بعض مطالب الدنيا قد يكون سبباً للسلامة من الهلاك وادراك النجاة منه، وذلك عندما يكون ذلك الطمع في ذلك المطلوب مستلزماً للهلاك كالطمع في نيل ملك او مال او منصب او غير ذلك، فالإنسان احياناً يسعى للتوصل الى هدفه وغاية له ويطمع ان ينال هذه البغية ولكن الله تعالى يعلم ان ذلك فيه ضرر وخسارة وقد يكون هلاكه في ذلك فيحرمه من تحقيق غايته، ففي هذه الحالة فان هذا الشخص وان لم يصل ظاهراً الى غايته وهدفه الا انه في الحقيقة حصل على السلامة والنجاة من الضرر والهلاك وعلى ذلك لا ينبغي للانسان ان يعيش حالات اليأس وفقدان الأمل في عدم الوصول الى النتيجة، ويحسب ان ذلك خسارة واخفاقا، بل تعدّ هذه الظاهرة في كثير من الموارد نجاحاً وتوفيقا.
وفي قوله (عليه السلام): (وليس كُلُّ عورة تظهر)، هناك احتمالات متعددة في معنى هذه العبارة:
الأول: اذا كنت تعتقد ان بعض الاشخاص وبعد معاشرة قليلة او نظرة الى صفاتهم بحسب الظاهر فاعتقدت انه ذو شخصية كاملة وانه لا نقص ولا عيب فيه وتعاملت معه في امور مهمة على هذا الاعتقاد فلا تتسرّع ولا تغترّ بهذه الحالة الظاهرية لأنه ربما كانت هناك عيوب خفية لم تظهر لك، وعليه ينبغي الاحتياط والاستفسار عن صفات هذا الشخص ممن عاشروه معاشرة عميقة.
الثاني: قد يرى الانسان في نفسه انه كامل في الصفات وليس فيه عيب ونقص ظاهر فلا يغتر بذلك لأن الكثير من العيوب لا تظهر للانسان الا بالتدقيق والتأمل في صفات النفس وافعال الانسان وان يسمع من الاخرين ما يشخصون من عيوب ونقائص فيها ويقبل ذلك ان كان تقييمهم موضوعيا وخاليا من دوافع الحقد والبغض والحسد.
الثالث: اذا كان للانسان عيوب ونقائص ونقاط ضعف وترى انك ادنى واقل مرتبة من الآخرين بسبب ذلك وقد يصيبك القلق والاحباط فلا تقلق لأجل ذلك بل عليك السعي لاصلاح عيوب النفس وسدِّ الثغرات في شخصيتك لأن الآخرين يملكون عيوباً وتوجد نقائص في شخصياتهم ويسعون لاخفائها عن الآخرين.
ثم يقول (عليه السلام): (ولا كلُّ فرصةٍ تصاب)، وبالطبع فان الفرصة احياناً تأتي بشكل مفاجئ وقد لا يوفق الانسان للاستفادة منها رغم انه ينبغي للانسان ان يستثمر الفرص لانها سريعة الفوت وقد يصيبه الحزن والهم والتحسّر لفوات فرصة؛ ولكن هذا غير صحيح فان عليه ان يتعلم الدروس من فوات هذه الفرص ويتنبّه للمستقبل بحيث لا تفوته الفرصة السانحة.
(وربما أخطأ البصير قصده ، وأصاب الأعمى رشده):
1. من الامور الممكنة في الحياة والفرص المتاحة ما يغفل الطالب البصير والعاقل الذي عن وجه طلبه فلا يصيبه ولا يهتدي اليه ويظفر به الاعمى (الجاهل) واستعار لفظ البصير للعاقل والاعمى للجاهل الغبي..
والغرض هو التسلية عن الاسف والجزع على ما يفوت من المطالب والمقاصد التي يطلبها الانسان بعد امكانها له ولكن لا يصيبها.
2. ومن المحتمل ان السفيه او الجاهل قد تصدر منه كلمة تصيب الرشد وربما صَدَرَتّ من الحكيم كلمة ُ خطأ فلا يصيب القصد.
روي عن الامام الرضا (عليه السلام) عن آبائه عن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (كلمتان غريبتان فاحتملوُهما، كلمة ُ حكمة ٍ من سفيه فاقبلوها، وكلمة ُ سَفَه ٍ مِن حكيم ٍ فاغفِروها).
ثم يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): (مَنْ أمِنَ الزمان خانَهُ، ومَنْ أعظمَهُ أهانه) وفي حديثه نبين:
1. ربما يكون المراد من الزمان هنا الدنيا والنعم الدنيوية والمواهب المادية فاي نعمة من نعم الدنيا لا يمكن الاعتماد عليها فالنجاحات والثروات والجمال والمكانة الاجتماعية وسائر المواهب المادية والنعم الدنيوية معرّضة للزوال في كل لحظة، فلا ينبغي للانسان ان يطمئن اليها ويعتمد عليها فقد يواجهون فجأة خيانة الدنيا لهم وستؤخذ منهم هذه النعم والمواهب ويراد – حينئذ- من الجملة الثانية- ومن اعظمه اهانه- ان الانسان الذي يرى اهمية الدنيا في عينه ويتحرك لتحصيل النعم المادية فيها باي طريقة ووسيلة كانت فمن البديهي ان هذا الانسان سيعيش المذلة والمهانة ويسقط في انظار الناس..
2. وقد يكون المقصود من الزمان اهل الزمان، أي ان الانسان لا ينبغي ان يثق بجميع اهل زمانه لأنه ربما يواجه الغدر والخيانة والطعن من الخلف من بعض الناس والمراد من الجملة الثانية هو تعظيم اهل الزمان أي تعظيم اصحاب السلطة والثروة والاغنياء والمستكبرين واصحاب النفوذ والجاه لمجرد انهم كذلك لا لصفات فيهم تقتضي التعظيم.
فالاعتماد على هؤلاء وتعظيمهم لمجرد ذلك يتسبب في اضعاف شخصية الانسان وسقوطه وتعرضه للمهانة والاستخفاف والاستحقار في هذا المقطع تنبيه على وجوب الحذر من الزمان ودوام ملاحظة ما يطرأ فيه من متغيرات والاستعداد لحوادثه قبل نزولها بالاعمال الصالحة، فالانسان اذا غفل عن تغيّرات الزمان وتقلباته وأمِنَ منه وركن اليه فربما يخونه وبالتالي سوف يندم على ما سيصيبه من خيانة الزمان.