2016-6-23
View :1782

تحدّث ممثل المرجعية الدينية العليا سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي خطيب وإمام الجُمعة في كربلاء المقدسة في خُطبته الثانية من صلاة الجُمعة والتي أقيمت في الصحن الحسيني الشريف في  11/ رمضان المبارك/1437هـ الموافق 17/6/2016م :، تحدّث في خُطبته قائلا:


في هذا الاسبوع التقى بنخبة من اطباء النجف الاشرف واوصاهم بأمور نذكر ونشرح بعضها لأهميتها:


الوصية الأولى:
[الوصية بتوفير الخدمة الجيدة لجميع المراجعين بنفس المستوى من دون تفريق بين الغني والفقير والقوي والضعيف.
(وهذه الوصية وان كانت موجهة الى فئة الاطباء لأن جمعاً منهم كانوا حضور اللقاء ولكنها وصية لكل الذين يتعاملون مع المواطنين ويقدمون لهم الخدمة في أي مجال كان ... ولاسيما من فئة الموظفين الحكوميين..].
اوصى سماحته الاطباء بالخدمة الجيدة ويمكن تفصيل ذلك بالأمور التالية :
1- العناية بالمريض وذلك بالاهتمام بدقة التشخيص الطبي وبذل ما بوسع الطبيب من اعمال ذهنه وتفكيره المهني الطبي محاولا الوصول الى التشخيص الاقرب الى الواقع مع تخصيص الوقت الكافي لذلك واستشارة الاخرين من اهل الخبرة والحذاقة الطبية.
2- التعاطف مع المريض بإشعاره بالرحمة لحاله وانه يهمه شفاؤه ومعافاته ويعامله كأنه احد افراد عائلته اذا مرض مع استعمال العبارات والكلمات الطيبة التي تبعث في نفسه الامل بالشفاء..
3- ان لا يكون همه ان يحقق ارباحاً مالية بأكبر قدر ممكن بالتجارة بصحة المريض سواء أكان من خلال رفع كلفة المعاينة الطبية او التحاليل او الفحص الشعاعي او اجور العمليات الجراحية – بل يجعل غايته العمل على شفاء اكبر قدر ممكن من المرضى وانقاذ حياتهم ليكتب له بذلك عمل صالح عند الله تعالى الذي هو خير ثواباً وخير املا ..
ثم اوصى سماحته بعدم التفريق بين المراجعين (أي بين الغني والفقير) وتوضيح ذلك :
ان تكون عناية الطبيب المهنية والاخلاقية مع المرضى من دون تفرقة بينهم بسبب فقر بعضهم او علو المنزلة الاجتماعية لبعضهم الآخر بل يشعر الجميع انهم متساوون في ذلك- لان كل فرد منهم هو انسان يعاني بسبب مرضه نفس المعاناة لا يختلفون في ذلك بسبب مال او جاه او منصب وحياتهم مطلوب انقاذها وآلامهم مرجوٌ تخفيفها للجميع دون فرق.
فلا يعتني الطبيب بالغني اكثر لأنه يرجو منه النفع المالي ولا صاحب الوجاهة والقوة والسلطة لأنه يأمل منه ان ينفعه في امور الدنيا اكثر من غيره..
ثم ان هذه الوصية من سماحته غير مقتصرة على الاطباء وان كانت موجهة لهم لانهم الذين حضروا اللقاء ولكنها عامة لجميع المكلفين بالخدمة العامة خصوصا الموظفين الحكوميين فالمأمول منهم قضاء حوائج المواطنين وانجاز معاملاتهم بأسرع ما يمكن وعدم تأخيرهم خصوصاً عوائل الشهداء واليتامى والارامل والمستضعفين- وان لا يفرقوا بين مواطن فقير وآخر غني او صاحب جاه وسلطة وآخر انسان ضعيف لا يملك لنفسه ناصراً الا الله تعالى- وتتأكد الوصية للموظفين المكلفين بالخدمات الاساسية كخدمات الماء والكهرباء والصحة والتعليم وغيرها..
الوصية الثانية:
[ ان من يمارس التعليم عليه ان يعلم ان لسلوكه ومنطقه ابلغ الاثر في طلابه ولا يتصور انه مجرد استاذ في مادة الطب، فعليه ان يراعي الجوانب الدينية والاخلاقية في اقواله وتصرفاته، ومن ذلك التواضع لمن يعلّمهم من الطلاب وعدم التعالي عليهم... (وهذه الوصية لا تختص ايضاً بالأطباء الذين يمارسون التعليم في الجامعات بل هي عامة لجميع المعلمين والتدريسيين)].
والمأمول من الاخوة الاساتذة في مجال الطب او غيره من العلوم ان يعلموا ان مهمتهم لا تقتصر على التعليم المهني في مجال اختصاصهم بل مهمة الاساتذة هي التعليم والتربية على مبادئ الاخلاق والمواطنة الصالحة معاً فلا ثمرة للتعليم بدون الاخلاق وتربية النفس على هذه القيم – والاستاذ الاكثر تأثيراً في طلبته هو الذي يبدأ بنفسه فيربيها ويؤدبها على محاسن الاخلاق ومحامد الصفات ويترجمها الى سلوك فعلي امام طلبته ومن ذلك حسن التعامل مع الطلبة بالتواضع لهم وعدم الاستكبار عليهم بإشعارهم بأنه افضل وارفع منهم علماً وشأنا، وسعة الصدر والتحمل لهفواتهم وسلوكهم الخاطئ وذلك بإرشادهم بالحسنى والحكمة والموعظة الحسنة الى السلوك الصحيح وتنبيههم الى ضرورة الاهتمام بأخلافهم وسلوكياتهم كاهتمامهم بالحصول على الدرجات المتقدمة في دروسهم – وعليه ان يحترم جميع الطلبة ولا يسخر او يستهزئ بمن لا يمتلك الذكاء او المهارة في العلم بل يحاول ان يعلّمه على كيفية تطوير قابلياته العلمية وفهمه للدرس- وان يوضح للطلبة ان النجاح في الدراسة الجامعية والمدرسية مهم لكنه جزء من النجاح الاكبر المطلوب في الحياة الا وهو بناء العلاقة الصحيحة مع الله تعالى ومع بقية افراد المجتمع ومن ذلك شعوره بالمسؤولية بعد تخرجه وقدرته على النجاح فيها وبناء الاسرة الصالحة وحسن العشرة مع افراد مجتمعه- .
فقد ورد عن امير المؤمنين (عليه السلام) : (علّموا الناس الخير بغير السنتكم وكونوا دعاة لهم بفعلكم والزموا الصدق والورع).
وعنه ايضاً (عليه السلام) : (كلما زاد علم الرجل زادت عنايته بنفسه وبذل في رياضتها وصلاحها جهده).
الوصية الثالثة:
[الوصية بالمحافظة على وحدة العراق ولا يكون ذلك الا بالمحافظة على وحدة العراقيين، ولتحقيق ذلك لابد ان يهتم بأمرين في هذه الظروف الحرجة :
أولاً :
(رعاية النازحين والمهجّرين من دون تمييز بينهم من أي دين او مذهب او مكون كانوا ..).
وذلك من خلال عناية الجهات المختصة والمواطنين والجمعيات الانسانية ومؤسسات المجتمع المدني ببذل كل ما يمكن من جهود لتوفير المأوى المناسب للنازحين وتقديم ما يحتاجونه من طعام وشراب ودواء مع معاملتهم بالحسنى والتعاطف معهم والرحمة بهم وان تكون هذه العناية بصورة متساوية لجميع العراقيين النازحين والمهجّرين مع قطع النظر عن انتمائهم الديني او المذهبي او القومي وذلك لأنهم بأجمعهم مواطنون عراقيون لا يستلزم اختلافهم في الانتماء المذكور اختلاف مرتبتهم في حقوق المواطنة والانتماء للعراق – وهذا النحو من الرعاية والمعاملة سيُشعر الاخرين من جميع المكونات العراقية بوحدة الانتماء لبلدهم مما سيترك اثرا ايجابياً في نفوسهم فيشعرون بقوة الآصرة والعلاقة مع بقية مواطني بلدهم وهذا سيفوّت الفرصة على عصابات داعش التي تعمل على زرع التفرقة والبغضاء بين مكونات الشعب العراقي من خلال اثارة النزعة الطائفية.
ثانياً :
[ وهو موجّه بالدرجة الاساس الى المقاتلين في ساحات القتال من ان يكون قتالهم لتخليص اخوانهم واخواتهم من عصابة داعش التي هي فئة دخيلة على العراقيين فكراً وممارسة ً. فان الافكار الظلامية التي تتبناها والممارسات الوحشية التي ترتكبها غريبة على العراقيين تماماً وغير مسبوقة لديهم على مر التاريخ.
فالمقاتلون بمختلف اصنافهم ومسمياتهم مهمتهم هي تخليص العراق من هذا البلاء العظيم، وعليهم لأداء هذه المهمة على الوجه الصحيح ان يتحلَوا بأعلى درجات الانضباط في تصرفاتهم ويراعوا المعايير الانسانية والاسلامية في تعاملهم مع الجميع في مناطق القتال ولاسيما المدنيين من كبار السن والنساء والاطفال بل ومن يسلّم نفسه ويترك القتال...].
من الضروري لمقاتلينا الابطال الذين يسطّرون ملاحم البطولة والتضحية في صفحات تاريخ العراق الحديث ان يلتفتوا الى ان الغاية من قتالهم هو انقاذ المواطنين في المناطق التي سيطرت عليها عصابات داعش وان ينظروا لهم كأخوة واخوات جاءوا لتخليصهم من هذه الفئة الدخيلة على العراقيين في فكرها الضلالي الذي تتبناه بتكفير الاخرين وتحليل قتلهم والذي ترجمته الى ممارسات وحشية بعيدة عن الاسلام والانسانية حيث لم يشهد تاريخ العراق مثل هذه الوحشية – فلينتبهوا وليحذروا من ان يكون هدفهم الانتقام او الاعتداء او غير ذلك ولأجل تحقيق هذه المهمة وفق الضوابط الشرعية والاخلاقية والانسانية لابد من أمرين :
أ‌- التحلي بأعلى درجات الانضباط النفسي في تصرفاتهم واعمالهم القتالية..          فلا يحملنهم حزن وأسَفٌ على فقد عزيز استشهد في القتال او تألم على جريح او حالة غضب او انفعال على ارتكاب ما يخالف هذه الضوابط من تمثيل بقتيل او اجهاز على جريح او تفجير دار مشتبه في امره او سطو على مال لذوي المقاتلين او استيلاء على اموال لمواطنين ابرياء.
ب‌-  مراعاة المعايير الانسانية والاسلامية في تعاملهم مع الجميع ..
فلابد من الفرز بين المعتدي المقاتل والمواطن الذي لا دخل له في ذلك فإنما هدف القتال الحفاظ على الهوية الوطنية والانسانية والحضارية للشعب العراقي الذي ارادت هذه العصابات مسخها وطمسها – وتتأكد الوصية مع كبار السن والنساء والاطفال.. فما اعظم واجمل ان نرى بعض افراد قواتنا المسلحة ومجاهدينا يحملون رجلا ً كبيراً على أظهرهم ليوصلوه وعائلته الى مأمنهم ان يطعموا صغيرا او يهدئوا ويطمئنوا امرأة خائفة او يداووا مريضا او يهيئوا مأوى..
وقد ورد في التوصيات للمرجعية الدينية العليا التي تم التأكيد عليها :
1- الله الله في حرمات عامة الناس ممن لم يقاتلوكم لا سيما المستضعفين من الشيوخ والولدان والنساء حتى اذا كانوا من ذوي المقاتلين لكم فانه لا تحل حرمات من قاتلوا غيرَ ما كان معهم من اموالهم – وقد كان من سيرة امير المؤمنين (عليه السلام) انه كان ينهى عن التعرض لبيوت اهل حربه ونسائهم وذراريهم رغم اصرار بعض من كان معه – خاصة من الخوارج- على استباحها- .
2- الله الله في اموال الناس فانه لا يحل مال امرئ مسلم لغيره الا بطيب نفسه فمن استولى على مال غيره غصبا فإنما حاز قطعة من قطع النيران.
3- الله الله في الحرمات كلها فإياكم والتعرض لها او انتهاك شيء منها بلسان او يد واحذروا اخذ امرئ بذنب غيره.
اللهم انصر قواتنا المسلحة والمتطوعين والغيارى من ابناء العشائر نصر عزيز مقتدر ورد كيد اعدائنا في نحورهم وغيّر سوء حالنا بحسن حالك انك سميع مجيب.