2014-5-12
View :474


 



لا شكّ إن القرآن الكريم كتاب هداية وفيه منافذ متعددة حتى يكون كل منا وفق قدرته على استيعاب المعلومة والمفاهيم الشرعية ولذلك فبعض الآيات الشريفة تربي الانسان وتجعله يرجع الى حالة التوازن والتي قد يفقدها الانسان لسبب او لآخر.



ونقف عند آيات من سورة الإسراء والتي تقول: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً (36) وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (38) ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنْ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً (39)».



فعبارة (ولا تقفُ) أي لا تتبع ما ليس لك به علم، لأن غير العلم قد يورد بك الى المهالك او قد يسبب لك المشاكل، فالله تعالى اعطاك والقران حدد بدقة بعض هذه الموارد بقوله: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً)، وقطعاً إن عند الإنسان جوارح لكن هناك امهات الجوارح تجعل الانسان عنده مشكلة فالاذن يسمع فيها ما شاء ويسمع فيها اشياء غير مسؤول عنها، وهذه الاذن عند الانسان نعمة أنعم الله تبارك وتعالى بها علينا وهذه النعمة لابد ان نصونها ولابد ان نجعلها تستمع الى شيء ينفعنا في الدنيا والآخرة.



يريد القرآن الكريم ان ينبّهنا بأننا سنسمع أشياء عديدة ولكن ما هي الأشياء الصالحة وما هي الطالحة، ويجب أن لا نسير وراء كل شيء دون علم به، والقرآن الكريم عرج في ذيل الآية (كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً) لا شيء يخرج عن دائرة المسؤولية امام الله تعالى، فالانسان قد يسمع هرج ومرج ويسمع الغثّ والسمين لكن عليه عندما يستمع ويعطي وقتاً لآلة السمع لابد ان يحترم هذه الآلة لأنها من نِعم الله تعالى، فهناك فرق بين الانسان يجعل هذه الاذن تسمع كلاماً الهياً ومعارف الهية وبين ان يجعلها تسمع كلاماً سخيفاً ولا يؤثر ايجاباً بالعكس قد يرجع بصاحبه الى المفاسد.



ان الانسان لابدَّ ان يتثبّت ويركز ولابد ان يعي وهذا التركيز والتثبت يجعل الانسان متزناً وخلافه يجعله قلقاً هشّاً يسمع كل شيء ويصدّق كل شيء، والقرآن يربي ويقول: ((وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)، فبعض المشاكل تنشأ لأن الانسان سمع قولا ًما وتراه يرتّب أثراً ويتخذ موقفاً والواقع ان القضية ليس لها أساس من الصحة خصوصاً اذا كانت تتعلق بآخرين وبضمانات وبكلام، فاليوم مسؤولية السمع تكون من جهة أخطر بسبب ان الكلمة لا يسمعها اثنان او ثلاثة فالكلمة قد يسمعها الالاف او الملايين ولابد على الانسان ان يتثبت والا سيكون موقفه موقفاً صعباً عندما تكون هناك مسؤولية تعرض للانسان ويقول له كان هذا بسببك.



(إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ)، وأيضاً لابدّ ان أضع البصر على ما يجوز لي ان اضعه والا فبصر الانسان يتلصص ويسرق من الناس ما لا يجوز له ان يسرق منهم، فالانسان يسرق من الناس نظرة والطرف المقابل لا يرضى بها، فهذا البصر سيكون الانسان مسؤولاً عنه يوم القيامة.



وهنا لابدّ ان يكون الإنسان عفيفاً مع نفسه اولا ً فضلا ًعن الآخرين، والانسان لابدّ ان يكون متزناً وان لا يكون قلقاً، فالقرآن الكريم يقول أي تصرف التفت ولا تتبع كيفما يكون، وعلى الإنسان ان يتبين ويتحقق وان يتثبت؛ فهو مسؤول عن سمعه وبصره وعن فؤاده ايضاً.



ثم يقول سبحانه وتعالى في نفس السورة: (وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً)، وهنا نلاحظ النهي التربوي في هذه الآية، فكثير من الناس عندهم عقد لكن لا تظهر بالوقت الطبيعي متى تظهر؟! هي تظهر عن المكنة وعند التمكن فان الانسان يمشي في الارض مرحاً ويمشي وهو يعتقد ان لا يوجد احد على هذه البسيطة الا هو!! فيمشي بطريقة في منتهى الزهو والتكبّر والأنا بل حتى اذا كان عنده مجموعة يحاول هؤلاء ان يقلدوه ايضاً، ويخلق في نفوسهم دعوية المرح والتكبر والتجبر، ولكن القرآن الكريم يقول مهلا ًلا تمشِ في الارض مرحاً لماذا تفعل ذلك (إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً) هل انت تريد بهذا الفعل ان ترتفع عن الناس وكلهم ابناء جلدتك وكلكم من آدم وآدم من تراب.. ماذا تريد؟!



إن هذه النظرة غير الموضوعية لبعضنا خصوصاً عندما يتمكن ويتسلط وعندما تكون له منعة ظاهرية يرى نفسه ان الدنيا جاءت اليه، وان الانسان اذا لم يكن متربياً التربية الصحيحة يُخاف منهُ، والانسان لابد ان يربي نفسه سواء كان كاسباً او طالباً او موظفاً ولابد ان يتعامل بالأمور بواقعية.



فالإنسان كلما علا قدره بين الناس لابد ان يتزن ويتربى اكثر وان يمتاز بالحكمة اكثر وعدم الهلع اكثر لأن الاشياء قد تجر الى اشياء اخرى!!.


 


مستقاةٌ من الخطبة الاولى لصلاة الجمعة بإمامة السيد احمد الصافي في 25/ج2/1435هـ الموافق 25/4/2014م