2014-7-18
View :463

مستقاةٌ من الخُطبة الاولى لصلاة الجُمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 12/رمضان/1435هـ الموافق 11/7/2014م


عندَ سيد الساجدين وزين العابدين الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) فلشهر رمضان المبارك حقوق وواجبات، حيث يقول (عليه السلام): (وأما حقّ الصوم فأن تعلم أنه حجاب ضربه الله على لسانك وسمعك وبصرك وفرجك وبطنك ليسترك به من النار، وهكذا جاء في الحديث «الصوم جنة من النار» فان سكنت أطرافك في حجبتها رجوت أن تكون محجوبا وإن أنت تركتها تضطرب في حجابها وترفع جنبات الحجاب فتطلع إلى ما ليس لها بالنظرة الداعية للشهوة والقوة الخارجة عن حد التقية لله، لم يؤمن أن تخرق الحجاب، وتخرج منه. ولا قوة إلا بالله).


والحجاب في اللغة هو الستر الحائل بين الرائي والمرائي.
والحجاب هو الذي يحجب ويخفي وراءه شيئاً كي يبقى مصاناً من التعرض لأي ضرر، كالحجاب للمرأة فلأنه يستر جسدها ويصونه مما يشكل حماية للمرأة وللمجتمع من أضرار متعددة، فالصوم حجاب أي مانع وساتر قد ضربه الله تعالى على لسانك ليمنعه من الكلام غير المقبول شرعاً وعقلا ً وعرفاً كالكلام المسيء والمحرم... وعلى سمعك لتنتهي عن المحرمات من الغناء وسماع الغيبة ونحو ذلك..، وعلى بصرك وفرجك.. فاذا حقق الصوم هذا المنع عن المحرمات حصلت النتيجة وهي الستر والحماية من النار.
ان التركيز على الجوارح باعتبار انها وسائل الانسان لصدور الخير او الشر منه تجاه عالمه الخارجي وكذلك وسائله للتلقي من خير او شر، وبما ان الانسان مفتوح على الشهوات والرغبات والمفاسد كما هو مفتوح على الطاعات والخيرات فلابد من تهيئة الوسائل لتحصيل القوة الدفاعية للإنسان ليتمكن من مواجهة منزلقات الشهوات المحرمة وتركيز وتفعيل وتقوية عوامل الاستقامة.. وهنا يساعد الصوم في الوقاية من الشرور والآثام.. وتعزيز الصلة بالله تعالى.. اضافة الى عوامل المساعدة الالهية في شهر رمضان من كون الانفاس فيه تسبيحا والنوم فيه عبادة.
(فان سكنت أطرافك في حجبتها رجوت أن تكون محجوبا)، بيان لكيفية تفاعل الانسان مع الصوم وهو تعبير عن الهدوء والتوقف عن الحركة المرفوضة للأطراف (الجوارح) فتسكن كل واحدة منها بحسب المطلوب منها.. وهذا يؤدي الى النتيجة المرجوة وهي سكون الجسد بأكمله.. وتسكن النفس بتمامها.
(وإن أنت تركتها تضطرب في حجابها وترفع جنبات الحجاب فتطلع إلى ما ليس لها بالنظرة الداعية للشهوة والقوة الخارجة عن حد التقية لله)، بحيث لا يشكل الصوم مانعاً وواقياً حقيقياً فيحصل اضطراب الاطراف والجوارح وترتفع آثار الحجاب عملياً وذلك بسبب سلوكيات الصائم وتصرفاته فتطلع الى ما ليس لها بالنظرة .. فتكون الجوارح بذلك قد اخترقت حجاب الصوم واغرقت في دائرة الشهوة..
- حق الصوم ان تعلم انه ليس عبارة عن ترك الاكل والشرب والنكاح.
- قد ذكر الامام السجاد (عليه السلام) في بيان هذا الحق ما يدل على روح هذه العبادة وحقيقتها وجوهرها الموصل الى الغاية المذكورة في آية الصوم(لعلكم تتقون).[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) – سورة البقرة-
فاذا وفينا لهذه العبادة حقها فقد صارت لنا وقاية من النار، والحقيقة المقربة لله تعالى والمترتب عليها الثواب والوقاية من النار.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الصائم في عبادة وان كان على فراشه، ما لم يغتب مسلماً).
وقال (عليه الصلاة والسلام): (انفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة).
فعلى الصائم ان يعلم ان الله تعالى جعل الصوم حجاباً على لسانه واذنه وعينه وفرجه وبطنه ويده ورجله وعقله وتفكيره وقلبه، فهو ستر للصائم يستره الله تعالى به يوم القيامة.
ويقول الإمام السجاد: (فان سكنت أطرافك في حجبتها رجوت أن تكون محجوبا)، أي انك بعد العلم بحق الصوم فلابد من العمل والقصد الى ان تسكن جوارحك من حجبتها فالعلم بمجرد الحق من دون القصد الى ترك الهوى والذات والشهوات او حالات العصبية والغضب والقصد الى اجتناب ما نهى الله تعالى عنه.
ان هدف الصوم كما بينته الآية القرآنية هو ان الله تعالى جعله وسيلة للوصول الى التقوى ولم يرد الله تعالى منه ان يعرِّض الصائم للجوع والعطش وكف النفس عن اشباع الغريزة الجنسية فقط، بل هو الوصول الى التقوى الحاجبة والمانعة من ان يرتكب الانسان المعاصي ليرتقي الانسان من درجات الكمال الانساني فالامتناع عن الطعام والشراب وامور اخرى احلها الله تعالى في غير فترة الصوم يساعد على تهيئة الجسد والنفس ليكون اكثر قابلية في التفاعل الروحي مع الله تعالى كما يهيئ الارضية المناسبة لتهذيب النفس والعقل.