2014-9-22
View :1447

إنّ من المهام التي قام بها ائمة اهل البيت (عليهم السلام) هو تربية شيعتهم ومواليهم ليكونوا قدوة حسنة وسط المجتمع لانتمائهم لأعظم مدرسة في الوجود.
ووردت في كتب الكافي وبحار الانوار والوافي رسالة مفصلة كتبها الامام الصادق (عليه السلام) الى شيعته وأصحابه وأمرهم بمدارستها والنظر فيها وتعاهدها والعمل بها، فكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم، فإذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها.
هذه الرسالة تجمع بين طيّاتها من المعارف السامية ومكارم الاخلاق ما يصلح ان يكون دستورا ومنهاج عمل للانسان المسلم في جميع سلوكياته وتعامله مع ربه ومع نفسه ومع مجتمعه ليكون الانسان كما اراده الله تعالى عابداً له ومتكاملا ً في جميع مناهج حياته.
ويقول (عليه السلام): (معاشر الشيعة كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً) وهي مصداق لما ورد عنه (عليه السلام): (هذا ادبُنا أدبُ الله فخذوا به وتفهموه واعقلوه ولا تنبذوه وراء ظهوركم).
لقد أمر الإمام الصادق (عليه السلام) شيعته بالنسبة لهذه الرسالة بأوامر اربعة:
المدارسة: وهي ان يقرأ شخصان او اكثر كلٌّ على صاحبه حيث لا تتوفر نسخ متعددة.
النظر فيها: هو التأمل والتدبر وعدم القراءة السطحية.
تعاهدها: تكرار المراجعة لها دفعاً للنسيان وتذكرة للنفس بمضامينها.
العمل بها: العمل بمحتواها ومضامينها.
ولأجل ذلك كان الأتباع والأصحاب يضعون الرسالة في مساجد بيوتهم فاذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها اذ كانت من المستحبات  التي عُهدت من المؤمنين في العصور السالفة ان يتخذ الانسان مصلى في بيته وكان الائمة الاطهار ولأجل امر رسول الله بذلك يتخذون في بيوتهم مصلى لهم وكان لفاطمة (عليها السلام) مصلّى في بيتها، وقد وجدت في بعض الدول الاسلامية ان المؤمنين يتخذون في بيوتهم موضعاً صغيراً  يجعلونه مكاناً خاصاً للصلاة.
ويظهر من الرواية ان الشيعة كانوا يحتفظون بالرسالة في مواضع الصلاة في بيوتهم وكانوا كلما فرغوا من الصلاة انكبّوا على قراءتها بامعان.
(بسم الله الرحمن الرحيم، اما بعد: فاسألوا الله ربكم العافية، وعليكم بالدّعة والوقار والسكينة، وعليكم بالحياء والتنزّه عمّا تنزّه عنه الصالحون قبلكم).
الابتداء بالبسملة فيه تنبيه وارشاد الى ان يبدأ المؤمن اعماله واقواله ومكاتيبه باسم الله تعالى التماساً لمعروفه والتوفيق في عمله وقوله وبرجاء اتمام واكمال ذلك ببركة التسمية.
(اما بعد) اما بعد التسمية الاستعانة بالله تعالى في جميع الامور.
(فاسألوا الله ربكم العافية)، فالعافية من اعظم النعم وفق المعنى الذي بيّنه الائمة (عليهم السلام)، واسألوا الله العافية من الاسقام والبلايا او من الذنوب او من اذى الناس.
ان اول الامور التي تعرض اليها الامام (عليه السلام) هو ان يتجه الانسان الى الله تعالى في كل اموره وفي كل الظروف، والعافية على قسمين عافية الدنيا وعافية الدين، وهي من اعظم النعم واذا حصل عليها الانسان نسي هذه النعمة وغفل عنها واذا فقدها ذكرها.
وروي عن الامام امير المؤمنين (عليه السلام): (ان العافية في الدين والدنيا لنعمة جليلة وموهبة جزيلة).
وروي عن الامام الباقر (عليه السلام): (لا نعمة كالعافية ولا عافية كمساعدة التوفيق).
وسُئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الدعاء الافضل قال (صلى الله عليه وآله وسلم): تسأل ربك العفو والعافية في الدنيا والاخرة، ثم اتاه من الغد فقال يارسول الله أي الدعاء أفضل، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): تسأل ... وهكذا الى اليوم الرابع،  فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): تسأل ربك العفو والعافية في الدنيا والاخرة فانك اذا اعطيتهما في الدنيا ثم اعطيتهما في الاخرة فقد افلحت.
فالانسان يحتاج الى العافية ليهنأ ويسعد في حياته ويعيش براحة و طمأنينة وسكون نفس فلعله لا يتحمّل البلاء لذلك يعلمنا الامام (عليه السلام) ان ندعو الله تعالى العافية في الدين والدنيا الى السلامة من الآفات والامراض والعلل.
قال (عليه السلام) : (وعليكم بالدّعة والوقار والسكينة..)
عليكم: أي الزموا، والدعة تعني الراحة والرفاهية في العيش امر الامام (عليه السلام) بالتزامها لا باعتبار اكثر المال بل لاصلاح الحال فان من اصلح بينه وبين الخلق صديقاً كان او عدواً طاب عيشه وترف حاله واستقر باله)، ولها معنى اشمل وهو الابتعاد عما يحتمل من الضرر ومن ذلك عدم الاكثار من الاكل مثلا ً او يترك الانسان الرد على من يشتمه تحلّما وعدم الرد على المسيء.
قال بعض العلماء (قدس سرهم): اذا اردت الكلام او القيام بعمل ما تأمل هنيئة قبل ذلك وانظر هل اعددت جواباً له في قبرك فان شككت انه لا جواب لك فدعه، فهذا النمط من التفكير والسلوك هو من مصاديق الدعة.
أما قوله (والوقار والسكينة)،  فعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (ليس البرّ في حسن اللباس والزي، ولكن البر في السكينة والوقار).
1. الوَقار: بالفتح رزانة النفس بالله وسكونها اليه وفراغها عن غيره، قال الله تعالى : (ما لكم لا ترجون لله وقارا).
والسكينة سكون الجوارح وهي تابعة للوقار لان من شغل قلبه بالله اشتغلت جوارحه بما طلب منها وفرغ عن كل ما يليق بها.
2. أما الوقار والسكينة: فأحدهما متعلق بالقلب وهي السكينة والآخر بظاهر الانسان وهو الوقار فيقال لمن يحافظ على هدوئه لدى تناول طعامه او عند حديثه او مشيه او نظره انه وقور، وتطلق السكينة على استقرار القلب، وفي هذه الوصية يأمر الامام (عليه السلام) شيعته بالسعي الى التزام الهدوء والطمأنينة في ظاهرهم وباطنهم وهذا الامر يحتاج الى المراس والجدية والتكرار للامر لان التمرين لازم للاتصاف بمثل هذه الصفات.