2015-11-30
View :1922

عاشوراء بحر الدم اسم على مسمى لبانوراما ملحمية رسمت في العصر الحديث ، افلح في توصيف مشاهدها الفنان الايراني الدكتور (منصوروفایی) تتلمذ على يد امهر واشهر الفنانين الايرانيين من اعلام فن المنمنمات امثال حسن اسماعيل زاده وغيره ، بدأ مشواره الفني منذ طفولته وفتحت له بعض الافاق على يد استاذ الفنون في المرحلة الاعدادية مما زاده عزما واصرارا على الغور في عالم الفن التشكيلي والسير على خطى اساتذته حتى حصل على شهادة الدكتوراه واصبح استاذا للفن .
انفرد الدكتور (وفایی) في اغلب رسوماته باسلوب مميز مستمد من التراث الشعبي الايراني يسمى (القهوة خانه) وهو نوع من الرسوم يقترب من رسوم الشاهنامه الايرانية المعروفة المقتبسة من فن المينياتور ( الرسوم التصغيرية ) ، رواده اناس مولعون بتصوير الاحداث الشعبية اليومية في الشارع الايراني مما دفع بالفنان الى استخدام هذا النوع من الرسوم سعيا للحفاظ على التراث الشعبي لبلده.


  نفذت مشاهد بانوراما (عاشوراء بحر الدم) باسلوب القهوة خانة على قماش الكانفاس الابيض بابعاد 2في 4 امتار استغرق الفنان في انجازها اشهرا طويلة مستعينا بقراءته للعديد من الكتب التاريخية والدينية الرصينة للالمام بمجريات الطف وتسلسل احداثها .
البانوراما فريدة من نوعها فقد جاءت بكل وقائع عاشوراء في لوحة واحدة على شكل حلقات متصلة الاحداث تاريخيا و مبعثرة مكانيا ( في السطح التصويري ) مصورة مسيرة ابي عبد الله عليه السلام بدءا من خروجه من الحجاز وصولا  لاحداث عاشوراء ومعركة الطف الخالدة ومامر به الامام الحسين عليه السلام وعياله واصحابه حتى استشهاده وقطع راسه الشريف الذي نقل ليزيد لعنة الله عليه ، وهي ذات مشاهد مترابطة في وحدة موضوعية لها بداية ونهاية وتنقسم الى فضاءين اساسيين يشطران اللوحة افقيا ، اعلاهما اشتمل على اغلب الوقائع والاحداث التي دارت بعد المعركة اما الاسفل فيمثل معركة الطف وصولاتها و نتيجة عاشوراء والمتمثلة ببحر من الدم على شاطئه قصرذو باحة مرتفعة النخيل.
استخدم الفنان كافة العناصر الفنية من الوان وشخوص وعمارة وغيرها في انجازهذه الملحمة الفنية التي بدأت على مايبدو للناظر من اعلى وسطها حيث ترتفع في السماء رسمات ورموز لبعض الانبياء والرسل ممن رثوا وبكوا الحسين عليه السلام
كأنبياء الله عيسى وموسى ونوح عليهم وعلى نبينا افضل الصلاة والسلام مصورا اياهم كلا بمعجزته ، ومن اسفلهم وفي مستوى نظر القارئ من اليسارمشهد ليلي ممثلا اياه كرقعة من الجلد يقتطعها سيف من الاعلى يوحي للخيام ومن فيها  حينما امست عقيلة الطالبيين بلا حمى بعد ان فقدت ظل اخوتها في افجع مظلومية حلت باهل بيت العصمة سلام الله عليهم ، والى الوسط صور الفنان ركب السبايا في قافلة تسير بشكل نصف دائري متجهة نحو قصرالطاغية يزيد في الشام يتقدمها الراس الشريف مرفوعا على رمح اموي تتوسط المشهد اجساد الشهداء وبعض الخيل معلنة انتهاء المعركة ، ولو استمر الناظر بالمسير مع ركب السبايا لوجد نفسه وسط مشهد اخر اكثر ايلاما لاجساد الشهداء ومن فوقهم تحلق ملائكة السماء تنعى دماءهم  الزاكيات ويتوسطهم شاخص للصخرة التي وضع عليها الراس الشريف في الشام وصولا الى اقصى يمين اللوحة ومشهد يمثل وصول السبايا والراس الشريف الى قصر الطاغية يزيد مصورا شخص عليل كربلاء الامام السجاد والعقيلة زينب عليهما السلام وسط المشهد .
ولوتوجهنا بانظارنا الى وسط اللوحة نجد انفسنا قد عدنا الى يوم العاشر من محرم مرة اخرى حيث المشرعة وكفوف ابي الفضل العباس واستشهاده والى اليمين منه الحسين عليه السلام حاملا الرضيع بين يديه واسد من امامه يعيدنا الى الاجساد الطاهرة وحمايتها بعد تركها في العراء ، وصولا الى اقصى اليمين والجيش الذي يهم لقتل ابي عبد الله الحسين عليه السلام واتباعه الراكعين الساجدين في صلاتهم قبيل المعركة .
وفي مشهد اخر شغل الحيز الاكبر من البنية التكوينية للوحة عمد الفنان لتجميع شخوص عديدة  مما ميزها كحدث مركزي في اللوحة وهي ساحة المعركة بمشاهد متعددة ومكررة لبعض الشخصيات والرؤوس المقطعات ، عمد فيها الفنان الى تكرار شخص الحسين واخيه ابي الفضل عليهما السلام كلا شاهرا سيفه ممتطيا صهوة جواده وهما يحملان على الاعداء من جيش يزيد في قتال محتدم والارض حمراء من تحتهم كأن احداث المعركة تدور فوق سقوف قصور بني امية والدماء تسيل من وعلى الاروقة والاعمدة الحاملة لتلك السقوف مكونة في اسفل اللوحة بحرا من الدماء الزاكيات الطاهرات تتلاطم امواجه على مشارف قصور بني امية وتنادي يالثارات الحسين ..      
أعطى الفنان عمقاً للعمل الفني من خلال مهارته في استخدام الالوان والخطوط اللينة الرقيقة والناعمة بإتقان ودقة ، فمن خلال التبادل اللوني ووضعه لكتل اللون الأحمر وتكرارها بشكل دقيق واستخدامه للون الأخضرازداد أشعاع اللونين أحدهما مجاور الآخر في اللوحة  فضلا عن تداخل المشاهد المكونة للوحة من خلال موازنته بين الالوان الحارة والباردة مماخلق انسجاما وتداخلا بين الاشكال تجذب الناظر الى فكرة الموضوع وتتبع مجرياته التي يتحد بها الجو العام للعمل الفني بواقعيته ومن الجدير بالذكر ان الفنان اتبع اسلوبا مختلفا عن باقي فناني عصره من مبدعي هذا الفن فقد امتنع عن تصوير الوجوه المقدسه وصورها بهاله نورانية بيضاء سعيا منه لاكساب الشخوص والعمل الفني قدسية ووقارا، مبتعدا بذلك عن اسلوب المنمنمات او غيرها من الفنون الشرقية التي صورالبعض من فنانيها الوجوه المقدسة باشكال تقريبية .